صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري

تصحيحا لما قيل في بعض الروايات عن قضية مقتل ساري عسكر كليبر في يونيو عام 1800م، نذكر الاتي:

- عثر الجنود الفرنسيون على سُليمان الحلبي مختبئاً خلف اطلال منزل خَرب مُجاور لمنزل الألفي بك، وكان الحلبي خائفاً مذعوراً يهمُّ بالهرب (كما وصفوه)، وكذلك عثروا على الخِنجر المُستخدم مُضرجا بالدماء، وكانت بعض آثار الدماء أيضا لا تزال على يدي الحلبي وملابسه. ولم يُسلم نفسه للفرنسيين خوفا من انتقامهم، ولا وَشَي به أحد المصريين كما يقال. فالثابت تاريخيا، وبعد أن أعلن الفرنسيون النفير العام، وانتشروا في البلد بعد مقتل ساري عسكر مخافة حدوث ثورة، إن المصريون ظلوا للمساء لا يعلمون شيئا، ولا يُدركون لمَ انزعج الفرنسيون وجائت كرشتهم! كما يصفُ الجبرتي.

- بدأ الحلبي استجوابه بالإنكار، قال (لا أعلم شيئا!) عِدة مرات، حتى عندنا سألوه عن إسمه! فلجأ المحققون للضَّرب المُبرح والتعذيب على يد العسكري اليوناني بارتليميو (فرط الرمان)، وأعادوا استجوابه مرة أخرى، وعندها أقر بفعلته، وحكى أنه نَزل أول ماجاء من الشام لدى مُعلم الخط أحمد أفندي البروسلي، ثم ذهب لرواق الأتراك بالازهر لينزل على الطلبه الغزيين الأربعة، وظل مقيما لديهم لمدة شهر، يراقب تحركات ساري عسكر، وحاول مقابلته مرتين ولكنه فشل.

- وباستجواب الغزيون الأربعة (أحدهم أفلت وهرب لبلبيس ومنها لغزة، واعتقل الفرنسيون ثلاثه فقط) انكروا في البداية علاقتهم بالحلبي وقالوا لا نعرفه ولا شأن لنا بما يقول! وبعد المواجهة، وضربهم ضرباً مبرحاً بمعرفة بارتليميو وبعض جنوده، أقروا بصحة كلامه، ولكنهم قالوا انهم لم يتخيلوا أنه سينجح في مهمته! أما عما قيل أنهم ساعدوه في تقصى المعلومات، أو رصد تحركات ساري عسكر، فهو غير صحيح. لان كل هذا قام به سليمان وحده، طبقا لإعترافه وتأكيد زملائه الغزيون على ذلك أمام المحققين.

- أما عن إدانتهم أمام المحكمة العسكرية، فقد اعتبروهم متسترين على الحلبي، لأنهم علموا بتدبيره خلال وقتٍ كافٍ، ولم يُبلغوا السلطات! ورغم أن الغزيون قد قدموا مبررا لذلك، بإنهم لم يتخيلوا أنه سينجح بالفعل، ولكن المحكمة لم تقبله، وأصرت على إدانتهم!

- أما الضابط العثماني أحمد اغا باشا، قائد الانكشارية بحلب، فقد انحصر دوره في تكليفه لسليمان الحلبي بمُهمته فقط، كونه له سابق معرفه به، ويعلم أنه تلقى تعليمه بالقاهرة ويعرفها جيدا. فطلب منه أن يقتل ساري عسكر بنفسه او يدبر لذلك، بعد أن حكى له عن جرائم الفرنسيين في يافا وعكا، وهزيمتهم للأتراك في جبل طابور. ومنحه وعد صريح بتسديد ديون والده حال نجاحه في مهمته! ولم يُحدد له خطه معينه ولا تكتيكاً بعينه، وطلب منه تدبير أموره بالذهاب للقدس ومقابلة أخيه ياسين أغا ليتلقى منه المال اللازم للسفر والإقامة بالقاهرة. ولذلك جاء اتهام الإثنين (أحمد أغا وياسين أغا) أمام المحكمة العسكرية الفرنسية كونهما محرضين، وجاء الحكم عليهما غيابيا لأنهم طبعا غير مُعتقلين، ولا في استطاعة السلطات الفرنسية الإمساك بهما. أما ما قيل عن مساعدته للحلبي في الرصد والمعلومات والتخطيط، فهو غير صحيح..

- ايضا اعتقلت السلطات الفرنسية مُعلم الخط العربي مصطفى أفندي البروسلي (عثماني الجنسية)، وتم استجوابه واتضح للمحكمه إنه فعلا لم يكُن يعلم بنوايا الحلبي ولا بمهمته، فتم الإفراج عنه. أما الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الأزهر والشيخ أحمد العرايشي قاضي قضاة مصر، والذان اتهمتهما المحكمة بالتستُّر على الحلبي وتحريضه. فقد نفى الحلبي ذلك في التحقيقات، وقال إنه لا يعرفهما معرفة شخصية، ولم يُقابل أيا منهما كونهما على مذهب الإمام الشافعي، وهو حنفي المذهب! (قال كدا في التحقيقات) فتم الافراج عنهما.

ما ذكرناه هو ما كتبه المؤرخان الجبرتي و الرافعي نقلا عن نصوص التحقيقات الفرنسية، التي نشرها المجمع العلمي في منشور من عدة صفحات باللغة العربية والفرنسية بعد تنفيذ الأحكام بعدة أيام. وعنها ايضا نقل المَعلم نقُولا التُّرك، والذي كان معاصراً للحملة وشاهد عيان على معظم الأحداث. أما ما يُروى من روايات شعبية فهى ليست ذات أصل، ولم يكتب عنها أحد من المؤرخين المعاصرين.