كان الاحيمر السعدي صعلوكا من صعاليك العرب عاش في بادية الشام ابان العصر العباسي الاول، وقد خلعه قومه من شدة فتكه وكثرة مشاكله، ومن صفاته انه كان شجاعا فتاكا بارع المراس في القتال، كما انه كان دمثا خفيف الظل دائم الابتسامة، ذكي ينال بالحيلة مالا يناله بالسيف، بالاضافة الى كل هذه الصفات فقد كانت اخلاقه كاخلاق من سبقه من الصعاليك كالشهامة والمروءة والوفاء بالعهد واغاثة الملهوف.
احتاج الاحيمر ذات يوم مالا، فسرق ناقة من ارض العراق ونزل بها سوق البصرة ليبيعها، فرأى منشورات معلقة على جدران المدينة بأن واليها قد اهدر دم ثلاثة من الشطار ارهقوا الناس سرقة وافسادا، وان لمن يأتي بهم احياء او امواتا مكافئة مالية، فطمع بها واجل بيع الناقة.
نزل الاحيمر يقتفي اثر اللصوص حتى خرج من البصرة ودخل خانا (شبه فندق) فوجد ثلاثة رجال يأكلون وفيهم رجل مصاب قد لفت اصابته بخرقة لا تكاد توقف نزيف الدماء، فجلس الاحيمر مقابلهم وسألهما عن حال صاحبهما، فردوا بعبوس واستكبار واضطراب ان يدعهم وشأنهم فلا يسأل، فنظر الاحيمر الى المصاب شاحب الوجه فراه ينظر له بنظرة استغاثة وكأنه يوميء له عن سوء حاله والخشية من صاحبيه، فقال الاحيمر: اني لارى صاحبكما اقرب للموت من الحياة، فغضبا وقاما واستلا سيفيهما عليه، وقالا: الم نقل لك اليك عنا؟! وهما واقفين وهو جالس، وسيفاهما مشرعان وسيفه في غمده، ولكن لا احد أدرك كيف استل سيفه وقتلهما في اجزاء من الثانية، فاضطرب من في الخان.
اخذ الاحيمر الجثتين ووضعهما على حصانيهما، ثم اخذ المصاب ووضعه على حصانه وركب هو حصانه، وترك الناقة مربوطة في فناء الخان، فخرج الطاهي يذكره بناقته، فقال له: هي عندك حتى اتيك بثمن زادك، فان لم ارجع فهي لك.
ذهب الاحيمر وسلم المصاب والجثتين لصاحب الشرطة، وبعد المعاينة تأكد من هويتهم، فامر بالمصاب ان يعالج ثم يلقى في السجن، وقد اخبره الاحيمر بما دار بينه وبينهم، فتعجب صاحب الشرطة وقال: عجيب امرك! تقتلهما وتغيث صاحبهما وثلاثتهم في الاثم سواء!!!
فقال الاحيمر: ان سيفي للحوق، وان غوثي لسبوق
ويقصد بذلك انه لا يستل سيفا الا اذا استلت السيوف ضده، ولا يتأخر في اغاثة المستغيث ويحرص ان يكون الاسرع اليه.
وعندما سمع صاحب الشرطة هذا الرد اعطاه مال المكافأة واخذ عليه العهد ان لا يدخل البصرة مرة اخرى، وان راه فيها اعتقله واوقع به اشد العقوبة.
عندما انصرف الاحيمر، علم الوالي بما جرى واستقدم صاحب الشرطة وسأله عن سبب تحريم البصرة عليه، فقال صاحب الشرطة: انما صنيعه فتنة، واخشى ان يفتن الناس به، فيظنوا ان لا ضير في الصعلكة مع المروءة، ولا اللصوصية مع الادب، ولا الفسق مع الكرم
فقال الوالي: صدقت واحسنت فان هذا من تزيين الشيطان، ثم امر له بترقية.