قراءة في كتاب "الاعلام الناعم" للدكتور خالد غازي
- د. حسن عبد الجليل
لاشك أن المعلومات والمعرفة التي وفرتها تكولوجيا الاتصالات الحديثة أعادت تشكيل الطريقة التي يُنظر ويُفهم ويُحلل بها القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية. وهذا يكشف عن السلطة التحويلية لوسائل الاعلام الجديدة. في كتابه " الاعلام الناعم .. كيف نفهم الاعلام الجديد؟ " يؤكد د. خالد محمد غازي أن انتشار وسائل الإعلام الجديدة كان فرصة وتحديًا للمجتمعات العربية، في المعرفة والتواصل مع الآخر، مما يجبر المفاهيم والمعارف التقليدية على التكيف مع العولمة والفضاءات المفتوحة.
كما أشار إلى أن وسائل الإعلام الجديدة عامة ووسائل التواصل الاجتماعي خاصة، تمارس نفوذًا قويًا في حياة الإنسان اليومية وتصوراتهم للواقع. ويشير المؤلف أيضًا إلى أن تصوير وسائل الإعلام للواقع يمكن التلاعب به لخدمة أجندات سياسية أو أيديولوجية معينة. وهذا يكشف عن وجهة نظر عاقلة بشأن قوة وسائل الإعلام وتأثيرها.
وينظر د. غازي بوضوح رؤية إلى تأثيرات وسائل الإعلام الجديدة على أنها قوى ناعمة أعادت تشكيل الاتصال والمجتمع والسياسة، رغم الاعتراف بجوانبها التمكينية، إلا أنه يؤكد أيضًا على الحاجة إلى تحليل ناقد لتأثيرها وقدرتها على التلاعب وتأثيرها على المواطنة والهوية ، حيث يلقي نظرة حذرة وناقدة على الدور الذي تلعبه هذه الوسائل ، لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي، في العصر الرقمي وفي عالم ما بعد الحداثة ، ويعترف بالقدرة الهائلة لهذه الوسائل على نقل وتوزيع المعلومات والأفكار بسرعة وشمولية غير مسبوقة، لكنه يلاحظ في الوقت نفسه أن هذه القدرة تأتي مع انحرافات وثغرات محتملة، لها تأثيرها القوي على الرأي العام والمجتمع.
فإذا كان وسائل الإعلام الجديدة تفتح الآفاق إلى قنوات جديدة للتعبير والمشاركة، فإنها تفتح أيضًا الباب أمام التلاعب والتضليل والانتشار السريع للمعلومات غير الدقيقة. وبالتالي، فإن لها دورًا محوريًا في تشكيل الرأي العام والنقاش العام، وهو دور يتطلب الدراسة والبحث والتأني والحذر والوعي من جانب الجمهور.
وإن أقلَّ ما يُقال عن الشبكات الاجتماعية - التي هي شكل من أشكال وأذرع الإعلام الجديد - إنها مثلت ثورة حقيقية غيرت حياة الناس، وكانت طفرة فارقة في حياة الكثير منهم، حتى يخيل للمرء وهو يتصفح «تويتر»،على سبيل المثال، أن العالم بملياراته يتحاور ويتحادث، كل مع فريقه الذي يشكله، وفي موضوعه الذي يختار.
وما زالت هذه الوسائل التي تتنامى كل يوم، وتلعب دورًا هامًّا في نقل وقائع ما يجري هنا أو هناك. فهذه الوسائل تُمثل معينًا خبريًّا لوسائل الإعلام، حتى صار بالإمكان أن يصلك خبر ما يجري في هذا المكان، أو ذاك من العالم قبل أن تنقله لك وكالات الأنباء، وقد يكون هذا الخبر حقيقيًّا صادقًا، وطبعًا هناك هامش من الخطأ، وآخر من الخديعة التي قد يمارسها البعض.
وهذا يؤكد صدقية المقولة المتوراثة أن الإعلام يمثل السلطة الرابعة، فبواسطته يمكنك أن تغير السياسات والثقافات وتشكل العقول، ويصبح بوسعك أن تمجد من شاء وتجعل له شأنًا، وتقلل من شأن من تشاء، وهذا يقود إلى ملامسة دور الإعلام التواصلي.
فهم الأدوار الجديدة
ويهدف الكتاب في فصوله المتنوعة أن يطرح أسئلة حول فهم أحد أدوار الإعلام الجديد، والدور الفعال الذي أحدثته شبكات التواصل الاجتماعي، ليس فقط في تاريخ الإعلام، وإنما في حياة الأفراد على المستوى الشخصي والاجتماعي والسياسي، وجاءت لتشكل عالمـًا افتراضيًّا يفتح المجال على مصراعيه، للأفراد والتجمعات والتنظيمات بمختلف أنواعها، لإبداء آرائهم ومواقفهم في مختلف القضايا والموضوعات، التي تهمهم بحرية غير مسبوقــة، واستطاعت هذه الشبكات أن تمد الأفراد بقنوات جديدة؛ للمشاركة في كافة الأنشطة المجتمعية، الأمر الذي يجعل من السياسة شأنًا عامًّا يمارسه معظم أفراد الشعب، دون أن يكون مقتصرًا على فئات دون أخرى، لأن هذه الشبكات تشجع الأفراد غير الناشطين، أو الفاعلين سياسيًّا على المشاركة في الفعاليات السياسية، بحيث يمكن القول إنها يمكن أن تكون صوتًا سياسيًّا للمواطن العادي، وغير العادي.
وتكمن إيجابيات الإعلام الاجتماعي في سرعة الاتصال،والقيمة المعلوماتية، وضمان وصولها، وتحقيق التفاعل معها، وليس كونه إعلامًا مرسلًا من جانب واحد، مما خلق مساواة داخل المجتمع في الاتصال. وقد ساهم شبكات التواصل في الآونة الأخيرة في جذب الأنظار، بعد تفجيره العديد من القضايا، التي أثارت الرأي العام، فتداول الأخبار والصور ذات التوجه السياسي عبر وسائل الإعلام الجديدة، أرغم بعض الحكومات على اتخاذ قرارات، أو التراجع عن قرارات، بسبب الاحتجاج الجماهيري الواسع.
وعلى الرغم من وجهة النظر الحذرة هذه، إلا أن الكاتب لا يرفض دور وسائل الإعلام الجديدة أو قدرتها على تمكين المجتمع. بل يدعو إلى نهج توفيقي وواقعي يعترف بالإيجابيات مع التركيز على التحديات الجديدة التي تطرحها على المجتمعات.